فصل: فصلٌ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.فصلٌ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ:

قَالَ (وَيَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَلْتَمِسُوا الْهِلَالَ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنْ رَأَوْهُ صَامُوا، وَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِمْ أَكْمَلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، ثُمَّ صَامُوا) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ الْهِلَالُ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الشَّهْرِ، فَلَا يُنْتَقَلُ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَلَمْ يُوجَدْ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ الْهِلَالُ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ، فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: «فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ»، وَفِي لَفْظٍ: «فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ»، وَفِي لَفْظٍ: «فَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا»، وَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْيَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ يَوْمُ شَكٍّ إذَا غُمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُهُ إلَّا تَطَوُّعًا، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ يَجِبُ صَوْمُهُ بِنِيَّةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَلَا يُسَمَّى يَوْمَ شَكٍّ، قَالَ: وَيَوْمُ الشَّكِّ فَسَّرَهُ أَحْمَدُ بِأَنْ يَتَقَاعَدَ النَّاسُ عَنْ طَلَبِ الْهِلَالِ، أَوْ يَشْهَدَ بِرُؤْيَتِهِ مَنْ يَرُدُّ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ، وَنُقِلَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَاسْتَدَلَّ لِأَصْحَابِنَا، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ، بِأَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ: أَحَدُهَا: حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ الْمُتَقَدِّمِ: «فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ»، ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْإِسْمَاعِيلِيَّ قَالَ فِي صَحِيحِهِ الَّذِي خَرَّجَهُ عَلَى الْبُخَارِيِّ: تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَنْ آدَمَ عَنْ شُعْبَةَ، فَقَالَ فِيهِ: «فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا»، وَقَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ غُنْدَرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَعِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَشَبَّابَةَ، وَعَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ، وَالنَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ، وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ.
كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، لَمْ يَذْكُرْ أَحَدًا مِنْهُمْ: فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا: «وَإِنَّمَا قَالُوا فِيهِ: فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ».
قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ آدَم رَوَاهُ عَلَى التَّفْسِيرِ مِنْ عِنْدِهِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لِانْفِرَادِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ بَيْنَ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ وَجْهٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَعْنَى: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ رَمَضَانُ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ»، وَلَا يَصِيرُ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، عَلَى أَنَّ أَصْحَابَنَا يُؤَوِّلُونَ مَا انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ ذِكْرِ شَعْبَانَ، فَقَالُوا: نَحْمِلُهُ عَلَى مَا إذَا غُمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ، وَهِلَالُ شَوَّالٍ، فَإِنَّا نَحْتَاجُ إلَى إكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ، احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ، فَإِنَّا وَإِنْ كُنَّا قَدْ صُمْنَا يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ، فَلَسْنَا نَقْطَعُ بِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ، وَلَكِنَّا صُمْنَاهُ حُكْمًا، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا: عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ.
الثَّانِي: أَنَّ مُسْلِمًا رَوَاهُ مُفَسَّرًا: «إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا»،انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ أَنَّ آدَمَ بْنَ أَبِي إيَاسٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَوَاهُ عَلَى التَّفْسِيرِ مِنْ عِنْدِهِ لِلْخَبَرِ، فَغَيْرُ قَادِحٍ مِنْ صِحَّةِ الْحَدِيثِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ اللَّفْظَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ أَحَدَهُمَا وَذَكَرَ الرَّاوِي اللَّفْظَ الْآخَرَ بِالْمَعْنَى، فَإِنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ: «فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ» لِلْعَهْدِ أَيْ عِدَّةَ الشَّهْرِ وَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَخُصَّ بِالْإِكْمَالِ شَهْرًا دُونَ شَهْرٍ، إذَا غُمَّ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ شَعْبَانَ وَغَيْرِهِ، إذْ لَوْ كَانَ شَعْبَانُ غَيْرَ مُرَادٍ مِنْ هَذَا الْإِكْمَالِ لَبَيَّنَهُ، لِأَنَّ ذِكْرَ الْإِكْمَالِ عَقِيبَ قَوْلِهِ: صُومُوا وَأَفْطِرُوا، فَشَعْبَانُ وَغَيْرُهُ مُرَادٌ مِنْ قَوْلِهِ: فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ، فَلَا تَكُونُ رِوَايَةُ: فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ مُخَالِفَةً لِرِوَايَةِ: فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ، بَلْ مُبَيِّنَةٌ لَهَا.
أَحَدُهُمَا: أَطْلَقَ لَفْظًا يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي الشَّهْرِ، وَالثَّانِي: ذَكَرَ فَرْدًا مِنْ الْأَفْرَادِ، قَالَ: وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَا تَصُومُوا قَبْلَ رَمَضَانَ، صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابٌ، فَكَمِّلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ، وَلَا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اسْتِقْبَالًا»،قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ غَمَامَةٌ أَوْ ضَبَابَةٌ، فَأَكْمِلُوا شَهْرَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ، وَلَا تَسْتَقْبِلُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ».
قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ، وَسِمَاكٌ، وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ قَالَ: وَاَلَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ: أَنَّ كُلَّ شَهْرٍ غُمَّ أَكْمَلَ ثَلَاثِينَ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ شَعْبَانُ، وَرَمَضَانُ، وَغَيْرُهُمَا، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ، فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ» رَاجِعًا إلَى الْجُمْلَتَيْنِ، وَهُمَا قَوْلُهُ: صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ، أَيْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فِي صَوْمِكُمْ، أَوْ فِطْرِكُمْ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ اللَّفْظِ، وَبَاقِي الْأَحَادِيثِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ، فَأَقْدِرُوا لَهُ»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ، أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ قَبْلَهُ، ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ، أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ قَبْلَهُ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَذَكَرَهُ أَيْضًا، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيٍّ، فَذَكَرَهُ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُرْسَلًا، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ مَنْصُورٍ قَالَ فِيهِ: عَنْ حُذَيْفَةَ غَيْرَ جَرِيرٍ، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ هَذَا ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، ثُمَّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ الصَّحْوِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْغَيْمَ، أَوْ عَلَى مَا إذَا غُمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ، وَهِلَالُ شَوَّالٍ، كَمَا سَبَقَ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَهَذَا وَهْمٌ مِنْهُ، فَإِنَّ أَحْمَدَ إنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الصَّحِيحَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِنَّ تَسْمِيَةَ حُذَيْفَةَ، وَهْمٌ مِنْ جَرِيرٍ، فَظَنَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ هَذَا تَضْعِيفٌ مِنْ أَحْمَدَ لِلْحَدِيثِ، وَأَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَلَيْسَ هُوَ بِمُرْسَلٍ، بَلْ مُتَّصِلٌ، إمَّا عَنْ حُذَيْفَةَ، وَإِمَّا عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَجَهَالَةُ الصَّحَابَةِ غَيْرُ قَادِحَةٍ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ، قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَفَّظُ مِنْ هِلَالِ شَعْبَانَ مَا لَا يَتَحَفَّظُ مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ يَصُومُ رَمَضَانَ لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِ عَدَّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامَ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَهَذِهِ عَصَبِيَّةٌ مِنْ الدَّارَقُطْنِيِّ، كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ لَا يَرْضَى مُعَاوِيَةَ بْنَ صَالِحٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: لَيْسَتْ الْعَصَبِيَّةُ مِنْ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَإِنَّمَا الْعَصَبِيَّةُ مِنْهُ، فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ صَالِحٍ ثِقَةٌ صَدُوقٌ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْت أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: حَسَنُ الْحَدِيثِ، صَالِحُ الْحَدِيثِ.
وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَلَمْ يَرْوِ شَيْئًا خَالَفَ فِيهِ الثِّقَاتِ، وَكَوْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ كَانَ لَا يَرْضَاهُ، غَيْرُ قَادِحٍ فِيهِ، فَإِنَّ يَحْيَى شَرْطُهُ شَدِيدٌ فِي الرِّجَالِ، وَكَذَلِكَ قَالَ: لَوْ لَمْ أَرْوِ إلَّا عَمَّنْ أَرْضَى، مَا رَوَيْت إلَّا عَنْ خَمْسَةٍ.
وَقَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، غَيْرُ قَادِحٍ أَيْضًا، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ السَّبَبَ، وَقَدْ تَكَرَّرَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْهُ فِي رِجَالٍ كَثِيرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصَّحِيحِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ السَّبَبِ، كَخَالِدٍ الْحَذَّاءِ، وَغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ يَعْلَى بْنِ الْأَشْدَقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرَادٍ، قَالَ: «أَصْبَحْنَا يَوْمَ الثَّلَاثِينَ صِيَامًا، وَكَانَ الشَّهْرُ قَدْ أُغْمِيَ عَلَيْنَا، فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَصَبْنَاهُ مُفْطِرًا، فَقُلْنَا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ صُمْنَا الْيَوْمَ، فَقَالَ أَفْطِرُوا، إلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلًا يَصُومُ هَذَا الْيَوْمَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ»، لَأَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ يُتَمَارَى فِيهِ، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ لَيْسَ مِنْهُ يَعْنِي مِنْ رَمَضَانَ قَالَ الْخَطِيبُ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ كِفَايَةٌ عَمَّا سِوَاهُ، وَشَنَّعَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَلَى الْخَطِيبِ فِي رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ تَشْنِيعًا كَثِيرًا، وَقَالَ: إنَّهُ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ عَلَى ابْنِ جَرَادٍ، لَا أَصْلَ لَهُ، وَلَا ذَكَرَهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ تَرَخَّصُوا فِي ذِكْرِ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ نُسْخَةُ يَعْلَى بْنِ الْأَشْدَقِ عَنْ ابْنِ جَرَادٍ، وَهُوَ نُسْخَةٌ مَوْضُوعَةٌ، قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: يَعْلَى بْنُ الْأَشْدَقِ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يَعْلَى بْنُ الْأَشْدَقِ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرَادٍ أَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ، وَهُوَ وَعَمُّهُ غَيْرُ مَعْرُوفَيْنِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ،انْتَهَى.
وَوَافَقَهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَلَا يَصُومُونَ يَوْمَ الشَّكِّ إلَّا تَطَوُّعًا) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يُصَامُ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ إلَّا تَطَوُّعًا» وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ رَمَضَانَ، وَهُوَ مُكَرَّرَهُ لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، لِأَنَّهُمْ زَادُوا فِي مُدَّةِ صَوْمِهِمْ، ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ يُجْزِئُهُ، لِأَنَّهُ شَهِدَ الشَّهْرَ وَصَامَهُ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ كَانَ تَطَوُّعًا، وَإِنْ أَفْطَرَ لَمْ يَقْضِهِ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَظْنُونِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَنْوِيَ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا لِمَا رَوَيْنَا، إلَّا أَنَّ هَذَا دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْكَرَاهَةِ، ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ يُجْزِئُهُ، لِوُجُودِ أَصْلِ النِّيَّةِ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ فَقَدْ قِيلَ: يَكُونُ تَطَوُّعًا، لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ، وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ عَنْ الَّذِي نَوَاهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَهُوَ التَّقَدُّمُ عَلَى رَمَضَانَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ لَا يَقُومُ بِكُلِّ صَوْمٍ، بِخِلَافِ يَوْمِ الْعِيدِ، لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَهُوَ تَرْكُ الْإِجَابَةِ يُلَازِمُ كُلَّ صَوْمٍ، وَالْكَرَاهَةُ هَا هُنَا لِصُورَةِ النَّهْيِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَنْوِيَ التَّطَوُّعَ، وَهُوَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ، لِمَا رَوَيْنَا، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ: يُكْرَهُ عَلَى سَبِيلِ الِابْتِدَاءِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تَتَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا بِصَوْمِ يَوْمَيْنِ» الْحَدِيثَ، التَّقَدُّمُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّيهِ قَبْلَ أَوَانِهِ، ثُمَّ إنْ وَافَقَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ فَالصَّوْمُ أَفْضَلُ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا إذَا صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ فَصَاعِدًا، وَإِنْ أَفْرَدَهُ فَقَدْ قِيلَ: الْفِطْرُ أَفْضَلُ، احْتِرَازًا عَنْ ظَاهِرِ النَّهْيِ، وَقَدْ قِيلَ: الصَّوْمُ أَفْضَلُ، اقْتِدَاءً بِعَلِيٍّ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَإِنَّهُمَا كَانَا يَصُومَانِهِ، وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَصُومَ الْمُفْتِي بِنَفْسِهِ، أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ، وَيُفْتِي الْعَامَّةَ بِالتَّلَوُّمِ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ، ثُمَّ بِالْإِفْطَارِ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ يَضْجَعَ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ بِأَنْ يَنْوِيَ أَنْ يَصُومَ غَدًا إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ، وَلَا يَصُومُهُ إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَا يَصِيرُ صَائِمًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ عَزِيمَتَهُ، فَصَارَ كَمَا إذَا نَوَى أَنَّهُ إنْ وَجَدَ غَدًا غِذَاءً يُفْطِرُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ يَصُومُ.
وَالْخَامِسُ: أَنْ يَضْجَعَ فِي وَصْفِ النِّيَّةِ بِأَنْ يَنْوِيَ إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ يَصُومُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَعَنْ وَاجِبٍ آخَرَ وَهَذَا مَكْرُوهٌ، لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مَكْرُوهَيْنِ ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ، لِعَدَمِ التَّرَدُّدِ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ لَا يُجْزِيهِ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ، لِأَنَّ الْجِهَةَ لَمْ تَثْبُتْ لِلتَّرَدُّدِ فِيهَا، وَأَصْلُ النِّيَّةِ لَا يَكْفِيهِ، لَكِنَّهُ يَكُونُ تَطَوُّعًا غَيْرَ مَضْمُونٍ بِالْقَضَاءِ لِشُرُوعِهِ فِيهِ مُسْقِطًا.
وَإِنْ نَوَى عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ غَدًا مِنْهُ وَعَنْ التَّطَوُّعِ إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ، يُكْرَهُ، لِأَنَّهُ نَاوٍ لِلْفَرْضِ مِنْ وَجْهٍ، ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ عَنْهُ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ جَازَ عَنْ نَفْلِهِ، لِأَنَّهُ يَتَأَدَّى بِأَصْلِ النِّيَّةِ، وَلَوْ أَفْسَدَهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَقْضِيَهُ، لِدُخُولِ الْإِسْقَاطِ فِي عَزِيمَتِهِ مِنْ وَجْهٍ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا يُصَامُ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ إلَّا تَطَوُّعًا».
قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ».
قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ، إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَيَصُومُهُ»،انْتَهَى.
وَآخِرُ الْحَدِيثِ يَدْفَعُ تَأْوِيلَ صَاحِبِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ لِلشَّافِعِيِّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى كَرَاهِيَةِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ تَطَوُّعًا، ابْتِدَاءً، أَيْ لَا يُوَافِقُ عَادَةً، ثُمَّ قَالَ: وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تَصُومُوا رَمَضَانَ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ، وَيَرُدُّهُ مَا وَقَعَ فِي لَفْظٍ أَيْضًا: «لَا تَقَدَّمُوا بَيْنَ يَدَيْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ»، وَقَدْ جَاءَ بِالتَّصْرِيحِ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صَوْمٍ قَبْلَ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ، وَالْأَضْحَى، وَالْفِطْرِ، وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: انْفَرَدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ بِهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ أَبُو عَبَّادٍ أَجْمَعُوا عَلَى ضَعْفِهِ، وَعَدَمِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، انْتَهَى.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَرَاهِيَةُ الصَّوْمِ بَعْدَ نِصْفِ شَعْبَانَ، وَحُجَّتُهُمْ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا بَقِيَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَلَا تَصُومُوا»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ، وَمَعْنَاهُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُفْطِرَ الرَّجُلُ حَتَّى إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ أَخَذَ فِي الصَّوْمِ، انْتَهَى.
وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرَ الْعَلَاءِ، وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، قَالَ: وَسَأَلْت عَنْهُ ابْنَ مَهْدِيٍّ فَلَمْ يُصَحِّحْهُ: وَلَمْ يُحَدِّثْنِي بِهِ، وَكَانَ يَتَوَقَّاهُ، قَالَ أَحْمَدُ: وَالْعَلَاءُ ثِقَةٌ، لَا يُنْكَرُ مِنْ حَدِيثِهِ إلَّا هَذَا، وَعِنْدَ النَّسَائِيّ فِيهِ: فَكُفُّوا، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَرُوِيَ: فَأَمْسِكُوا، رَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ عَنْ الْعَلَاءِ، وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ عَنْ الْعَلَاءِ، فَكُفُّوا، قَالَ: وَبَيْنَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ، وَلَفْظِ التِّرْمِذِيِّ فَرْقٌ، فَإِنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ نَهْيٌ لِمَنْ كَانَ صَائِمًا عَنْ التَّمَادِي فِي الصَّوْمِ، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ نَهْيٌ لِمَنْ كَانَ صَائِمًا، وَلِمَنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا عَنْ الصَّوْمِ بَعْدَ النِّصْفِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ لَا يُحَدِّثُ بِهِ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْتَارُ أَنْ يُفْطِرَ الرَّجُلُ يَوْمَ الشَّكِّ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ، فَأَخْتَارُ أَنْ يَصُومَهُ، انْتَهَى.
وَهَذَا خِلَافُ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ عَنْ الشَّافِعِيِّ.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَائِشَةَ أَنَّهُمَا كَانَا يَصُومَانِ يَوْمَ الشَّكِّ تَطَوُّعًا.
قُلْت: غَرِيبٌ، وَفِي التَّحْقِيقِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ مَذْهَبُ عَلِيٍّ، وَعَائِشَةَ أَنَّهُ يَجِبُ صَوْمُ يَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إذَا حَالَ دُونَهُ غَيْمٌ، أَوْ نَحْوُهُ، قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يُسَمَّى يَوْمَ شَكٍّ، بَلْ هُوَ مِنْ رَمَضَانَ حُكْمًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ».
قُلْت: غَرِيبٌ أَيْضًا، وَالْمَعْرُوفُ هَذَا مِنْ قَوْلِ عَمَّارٍ، أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ، فَأَتَى بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ، فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ، فَقَالَ عَمَّارٌ: مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَرُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ مُسْنَدٌ عِنْدَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا، فَقَالَ: وَقَالَ: صِلَةُ عَنْ عَمَّارٍ: مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ إلَى آخِرِهِ، وَوَهَمَ الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ فِي الْغَايَةِ فَعَزَاهُ لِلْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَمُسْلِمٌ لَمْ يَرْوِهِ، وَالْبُخَارِيُّ إنَّمَا ذَكَرَهُ تَعْلِيقًا، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَلَّدَ سِبْطَ ابْنَ الْجَوْزِيِّ فِي ذَلِكَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِ بَغْدَادَ فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْآدَمِيِّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْوَكِيعِيُّ ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ»، انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ: تَابَعَ الْآدَمِيُّ عَلَيْهِ أَحْمَدَ بْنَ عَاصِمٍ الطَّبَرَانِيَّ عَنْ وَكِيعٍ، وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ عَنْ وَكِيعٍ، فَلَمْ يُجَاوِزْ بِهِ عِكْرِمَةَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ «نَهَى عَنْ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ السَّنَةِ: يَوْمِ الْأَضْحَى، وَيَوْمِ الْفِطْرِ، وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَالْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ رَمَضَانَ»، انْتَهَى.
قَالَ (وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ صَامَ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَقَدْ رَأَى ظَاهِرًا، وَإِنْ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إنْ أَفْطَرَ بِالْوِقَاعِ، لِأَنَّهُ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ: حَقِيقَةً لِتَيَقُّنِهِ بِهِ، وَحُكْمًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ.
وَلَنَا أَنَّ الْقَاضِيَ رَدَّ شَهَادَتَهُ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ تُهْمَةُ الْغَلَطِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَلَوْ أَفْطَرَ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، وَلَوْ أَكْمَلَ هَذَا الرَّجُلُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لَمْ يُفْطِرْ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ، لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهِ لِلِاحْتِيَاطِ، وَالِاحْتِيَاطُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَأْخِيرِ الْإِفْطَارِ، وَلَوْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ»، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا.
قَالَ: (وَإِذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ قَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا)، لِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ فَأَشْبَهَ رِوَايَةَ الْأَخْبَارِ، وَلِهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ.
وَتُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ، لِأَنَّ قَوْلَ الْفَاسِقِ فِي الدِّيَانَاتِ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَتَأْوِيلُ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ أَنْ يَكُونَ مَسْتُورًا، وَالْعِلَّةُ غَيْمٌ أَوْ غُبَارٌ أَوْ نَحْوُهُ، وَفِي إطْلَاقِ جَوَابِ الْكِتَابِ يَدْخُلُ الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ بَعْدَمَا تَابَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، لِأَنَّهُ خَبَرٌ دِينِيٌّ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ، لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ يَشْتَرِطُ الْمَثْنَى، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَبِلَ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ فِي رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ، ثُمَّ إذَا قَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ وَصَامُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا لَا يُفْطِرُونَ فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِلِاحْتِيَاطِ، وَلِأَنَّ الْفِطْرَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُمْ يُفْطِرُونَ، وَيَثْبُتُ الْفِطْرُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الرَّمَضَانِيَّةِ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ بِهَذَا ابْتِدَاءً، كَاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ بِنَاءً عَلَى النَّسَبِ الثَّابِتِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ.
قَالَ: (وَإِذَا لَمْ تَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ حَتَّى يَرَاهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ)، لِأَنَّ التَّفَرُّدَ بِالرُّؤْيَةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ يُوهِمُ الْغَلَطَ، فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيهِ حَتَّى يَكُونَ جَمْعًا كَثِيرًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ، لِأَنَّهُ قَدْ يَنْشَقُّ الْغَيْمُ عَنْ مَوْضِعِ الْقَمَرِ فَيَتَّفِقُ لِلْبَعْضِ النَّظَرُ، ثُمَّ قِيلَ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ: أَهْلُ الْمَحَلَّةِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: خَمْسُونَ رَجُلًا اعْتِبَارًا بِالْقَسَامَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَهْلِ الْمِصْرِ وَمَنْ وَرَدَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ إذَا جَاءَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ لِقِلَّةِ الْمَوَانِعِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ، وَكَذَا إذَا كَانَ عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ فِي الْمِصْرِ.
قَالَ: (وَمَنْ رَأَى هِلَالَ الْفِطْرِ وَحْدَهُ لَمْ يُفْطِرْ) احْتِيَاطًا، وَفِي الصَّوْمِ الِاحْتِيَاطُ فِي الْإِيجَابِ.
قَالَ: (وَإِذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لَمْ يُقْبَلْ فِي هِلَالِ الْفِطْرِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ)، لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ نَفْعُ الْعَبْدِ وَهُوَ الْفِطْرُ فَأَشْبَهَ سَائِرَ حُقُوقِهِ، وَالْأَضْحَى كَالْفِطْرِ فِي هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ كَهِلَالِ رَمَضَانَ، لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ نَفْعُ الْعِبَادِ، وَهُوَ التَّوَسُّعُ بِلُحُومِ الْأَضَاحِيِّ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا شَهَادَةُ جَمَاعَةٍ يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ) كَمَا ذَكَرْنَا.
الشرح:
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: صَحَّ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبِلَ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ فِي رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ».
قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قَدَامَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ، قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ، فَلْيَصُومُوا»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِسِمَاكٍ، وَالْبُخَارِيُّ احْتَجَّ بِعِكْرِمَةَ، انْتَهَى.
وَلَفْظُ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَابْنِ حِبَّانَ، وَابْنِ مَاجَهْ، قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ اللَّيْلَةَ»، وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ: «جَاءَ لَيْلَةَ رَمَضَانَ»، وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد: «رَأَيْت الْهِلَالَ يَعْنِي هِلَالَ رَمَضَانَ» وَتَابَعَ زَائِدَةَ عَلَى إسْنَادِهِ الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ، وَحَازِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، فَرَوَاهُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَحَدِيثُ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عِنْدَ أَبِي دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيِّ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ سِمَاكٍ يَرْوُونَهُ عَنْهُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ مُرْسَلًا، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ حَازِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي مُعْجَمِهِ وَرَوَاهُ عَنْ سِمَاكٍ أَيْضًا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ، فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مُسْنَدًا، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ بِهِ مُرْسَلًا، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَقَالَ فِيهِ: «فَنَادَى فِي النَّاسِ: أَنْ تَقُومُوا، وَأَنْ تَصُومُوا»، وَقَالَ: لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْقِيَامَ إلَّا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَة، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَنْ سِمَاكٍ أَيْضًا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ أَيْضًا، فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى الشَّيْبَانِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سِمَاكٍ بِهِ مُسْنَدًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ مُرْسَلًا، قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ سِمَاكًا كَانَ يُلَقَّنُ فَيَتَلَقَّنُ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ أَثْبَتُ فِي سُفْيَانَ مِنْ الْفَضْلِ، انْتَهَى.
قَالَ الْحَافِظُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ: رِوَايَةَ زَائِدَةَ، وَحَازِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْبَجَلِيِّ مِمَّا يُقَوِّي رِوَايَةَ الْفَضْلِ الشَّيْبَانِيِّ، وَقَدْ رَأَيْت ابْنَ الْمُبَارَكِ يَرْوِي كَثِيرًا مِنْ حَدِيثٍ صَحِيحٍ فَيُوقِفُهُ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ، فَأَخْبَرْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْته، فَصَامَ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ الْأَيْلِيِّ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ بِهِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِسَنَدِ أَبِي دَاوُد، وَكَذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ؟، انْتَهَى.
وَسَنَدُ الْحَاكِمِ وَارِدٌ عَلَيْهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ الْأَيْلِيِّ ثَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ وَأَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: شَهِدْت الْمَدِينَةَ وَبِهَا ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ إلَى وَالِيهَا فَشَهِدَ عِنْدَهُ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَسَأَلَ ابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ شَهَادَتِهِ، فَأَمَرَاهُ أَنْ يُجِيزَهُ، وَقَالَا: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ هِلَالِ رَمَضَانَ قَالَا: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُجِيزُ شَهَادَةَ الْإِفْطَارِ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْأَيْلِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: حَفْصٌ هَذَا، هُوَ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ بْنِ دِينَارٍ الْأَيْلِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ، وَلَمْ يُخْرِجْ لَهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ، وَأَمَّا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْمُونٍ الْعَدَنِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْفَرْخِ، فَرَوَى لَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَوَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ، وَلَيْسَ هُوَ هَذَا.
الْآثَارُ: رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنْبَأَ وَرْقَاءُ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: كُنْت مَعَ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْبَقِيعِ، نَنْظُرُ إلَى الْهِلَالِ، فَأَقْبَلَ رَاكِبٌ فَتَلَقَّاهُ عُمَرُ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ جِئْت؟ قَالَ: مِنْ الْمَغْرِبِ، فَقَالَ: أَهْلَلْت؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ عُمَرُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، إنَّمَا يَكْفِي الْمُسْلِمِينَ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ، انْتَهَى.
وَعَبْدُ الْأَعْلَى هَذَا مُتَكَلَّمٌ فِيهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُمِّهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ حُسَيْنٍ أَنَّ رَجُلًا شَهِدَ عِنْدَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ، فَصَامَ، وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَصُومُوا، وَقَالَ: أَصُومُ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ لِمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الشَّاهِدَيْنِ: اُسْتُدِلَّ لِمَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: «لَا يُصَامُ وَلَا يُفْطَرُ إلَّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ» بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ الْحَارِثِ الْجَدَلِيِّ أَنَّ أَمِيرَ مَكَّةَ خَطَبَنَا، فَقَالَ: «عَهِدَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَنْسُكَ، فَإِنْ لَمْ نَرَهُ وَشَهِدَ شَاهِدَا عَدْلٍ نَسَكْنَا بِشَهَادَتِهِمَا»، فَسَأَلْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ الْحَارِثِ مَنْ أَمِيرُ مَكَّةَ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي، ثُمَّ لَقِيَنِي بَعْدُ، فَقَالَ: هُوَ الْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ، انْتَهَى.
وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ مُتَّصِلٌ.
قَالَ: (وَوَقْتُ الصَّوْمِ مِنْ حِينِ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} إلَى أَنْ قَالَ {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ} وَالْخَيْطَانِ بَيَاضُ النَّهَارِ وَسَوَادُ اللَّيْلِ.
(وَالصَّوْمُ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ نَهَارًا مَعَ النِّيَّةِ)، لِأَنَّهُ فِي حَقِيقَةِ اللُّغَةِ: هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ، لِوُرُودِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ، إلَّا أَنَّهُ زِيدَ عَلَيْهِ النِّيَّةُ فِي الشَّرْعِ لِتَتَمَيَّزَ بِهَا الْعِبَادَةُ مِنْ الْعَادَةِ، وَاخْتَصَّ بِالنَّهَارِ لِمَا تَلَوْنَا، وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوِصَالُ كَانَ تَعْيِينُ النَّهَارِ أَوْلَى لِيَكُونَ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ، وَعَلَيْهِ مَبْنَى الْعِبَادَةِ، وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ شَرْطُ الْأَدَاءِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ.